top of page

أجساد تتوهّج بالرغبة وقلوب تحتمي بالخوف

  • صورة الكاتب: عزيز بن ثاني | Aziz Thani
    عزيز بن ثاني | Aziz Thani
  • 24 يوليو
  • 3 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: قبل 6 أيام

شاب وفتاة يواجهان بعضهما. ضوء أحمر خلف المرأة، خلفية داكنة. جو درامي ومشحون بالعاطفة.

كنت في جلسة مع مجموعة شباب تنبض أرواحهم بالحياة. كان المكان مليئاً بالضحك والانسجام، كأننا في عالم صغير مكتفي بذاته. لكن ما إن سألتهم عن علاقاتهم العاطفية، حتى خيّم صمت مفاجئ. تبادلوا النظرات، ثم انفجروا بالضحك، لا لأنهم وجدوا شيئاً مضحكاً، بل لأن الضحك كان مهرباً من حرارة السؤال.

في تلك اللحظة، رأيت الحقيقة تتكشّف بين السطور؛ أجساد تتوهّج بالرغبة وقلوب تحتمي بالخوف. عيون تلمع بالشوق، لكنها محاصرة بهاجس الرفض والانكشاف العاطفي. مشاعر تُكبت خوفاً من ألا تُفهم، أو أن تُرفض. لحظات اقتراب تتردّد وعبارات حبّ لا تجد طريقها إلى الصوت.

أحدهم يراقب بصمت، يحفظ الضحكة ويكتم التحية. آخر يكتب رسالة ويمحوها كل ليلة. وثالث يعيش نصف علاقة، لا يبوح ولا يبتعد. جميعهم يعيشون بين ما يريدون وما يخافون. هذه المسافة لم تظهر فجأة وإنما نمت بصمت، بتعليمات غير منطوقة؛ لا تُظهر قلبك، لا تكشف ضعفك، لا تُعطي أكثر مما تأخذ.

أتذكّر وقت دراستي الجامعية في ماليزيا حيث كنت محاطاً بالفتيات، ندرس ونعمل معاً، لكنني لم أكن مرتاحاً. أريد أن أبدو جذاباً، لكنني بارد. أريد أن أُحَب، لكنني متحفّظ. كان هناك انفصال غريب بين ما أريده وما كنت قادراً على التعبير عنه.

حاولت أن أفهم. قرأت كثيراً عن الطبيعة البشرية، سيكولوجية العلاقات وعن فنون الإغواء والانجذاب. فهمت كل شيء بعقلي، لكن القلب لا يُدرَّب على الورق، يحتاج إلى التجربة والارتجاف في وجه الحقيقة.

وفي ذات يوم، التقيت بفتاة بدت لطيفة ومنفتحة. تبادلنا حديثاً عابراً وظننت أنني تركت انطباعاً جيداً. وفي المساء، لمّا رأيتها تمشي مع صديقاتها، ظننتها فرصة ثانية. اقتربت منها بخطوات مترددة وقلت: "هاي"... وللحظة، توقّف كل شيء وكأن الشارع صمت احتراماً لارتباكي. صديقاتها رمقنني بنظرات ثابتة متفحّصة، تتنقّل بيني وبينها بفضول حذر وكأنهنّ يحرسنها. كنّ ينتظرن منها ردة فعل. حدّقت بي بدهشة، كأنها لا تعرفني، ثم عقدت حاجبيها وقالت ببرود قاسٍ: "ماذا تريد؟"

تلك الكلمات لم تكن رفضاً فقط، بل مرآة عكست خوفي العميق من الانكشاف. لم يكن الوجع في صدّها، بل في ارتباكي. تراجعت بصمت، محاولاً أن أبدو متماسكاً، لكن داخلي كان ينهار.

حينها أدركت أن العلاقة العاطفية ليست مجرّد لقاء بين اثنين، بل طقس اجتماعيّ معقّد. تُختبر فيه شخصيتك، جاذبيتك، ثقتك أمام أعين الآخرين ولم أكن مستعداً بعد لمثل هذا الامتحان.

هذه الحادثة لم تكن مجرد إحراج وإنما كانت نافذة على هشاشتنا الداخلية؛ الخوف من أن نُرى على حقيقتنا، أو أن يحكم المجتمع على اختياراتنا. فكثير من العلاقات تموت، لا لأن الشعور غائب، بل لأن التعبير خاضع لرقابة قاسية؛ "ماذا سيقولون؟ كيف سأبدو في أعينهم؟" نظرات الآخرين قد تجعلنا نرتبك من أبسط مشاعرنا، فنكتمها ونخفيها وكأننا نخجل من إنسانيتنا.

تخيّل أن أحدهم يقترب بنيّة صافية، يطرق قلبك بلطف. لكنك تتردّد. لا لأنك لا تريد، بل لأنك تخشى أن تُرى في لحظة صدق. تتراجع، فيصطدم القرب بجدار. ليس لأن الآخر طلب الكثير، بل لأنك منحت القليل. لا لأن الحب غائب، بل لأن الخوف حاضر. نصبح مثل آيس كريم محكم في فريزر القلب؛ نشتاق، لكن لا نذوب، نتقدّم خطوة ونتراجع اثنتين وتظل العلاقة تتخبّط بين تردّدين.

وتتأزم الأمور أكثر حين يتسلّل الخوف إلى صورة الحب ذاته. يتحوّل القرب إلى لعبة شدّ وجذب، صراع خفيّ؛ "من يملك زمام المبادرة؟ ومن يحتاج الآخر أكثر؟" يصبح الحب عضلات لا مشاعر، ومناورة لا مكاشفة.

لكن حين نجرؤ على الانكشاف، نمنح أنفسنا فرصة للحب كما هو، لا كما تدرّبنا عليه. فالحب يُبنى على حضور صادق، مساحة مشتركة، نكون فيها كما نحن، لا كما نريد أن نُرى.

لكن هذا الانكشاف لا يولد في لحظة، بل يُمهَّد له من الداخل، من تلك المساحة التي نكتشف فيها قوتنا وليننا معاً؛ حيث الذكوري والأنثوي في داخل كلّ منا لا يتصارعان وإنما يتكاملان. فالرجولة ليست في نفي الدموع، بل في احتضانها. والأنوثة ليست هشاشة، بل حضور ناعم يفيض بالحياة. حين نتصالح مع هذه الأجزاء، نصبح قادرين على الحب، لا بوصفه وعداً وإنما مشاركة. ومتى ما قبلنا أنفسنا بجمالها ونقصها، نستطيع أن نُحِب بلا أقنعة. فالعلاقة الحقيقية ترتكز على إظهار ذواتنا كما هي، بعيداً عن التصنّع.

الحب لا يحتاج إلى شروط، بل إلى صدق. هو قفزة نحو المجهول، نتخذها لأننا لا نريد أن نعيش في الظل. هنا تكمن الجاذبية، في لذّة الصدق وحرارة الحضور. قلب يتجرّد من أقنعته، يقف عارياً تحت وهج الحقيقة، مستعد لخلق شيء حيّ، حقيقي، نابض بالحب. لا يساوم على العمق ولا يخشى الوضوح. يُجسّد قوة الوجود في أسمى صورها.

قهوة تدعم الفكرة


تعليقات


انضم إلى سحابة نَبِلازِيز الآن

  • Instagram
  • TikTok
  • X
  • Snapchat
  • Youtube
bottom of page
*** 2025 © جميع الحقوق محفوظة ***